العقول الثلاثة! - 12 ابريل 2017
2021-10-23 590
من أعظمِ النعم التي منحها الله للإنسانِ نعمةُ العقل، فهي فرقُ ما بينه وبين الحيوان، بها عرف اللهَ وتبيَّن الحقَّ، وبها ميَّز بين ما يضرّه وما ينفعه، وبها سخَّر قوانين هذه الحياةِ لمصلحته، وبها استطاعَ أن يصنع هذه الحضارة الكبرى التي تعيشها البشريَّة اليوم.
وقد قال سبحانه وتعالى، في بيان منزلة العقل: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ)، فالذين لا يعقلون ليسوا دوابَّ فحسب، بل هم شرُّ الدوابِّ!
وممَّا يدل على منزلة العقل أنَّ الله حثَّ على استخدامه بطرقٍ مختلفةٍ، فتارةً يرغِّبُ في ذلك: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بها)، وتارةً يذمُّ من عطل عقله واكتفى بالتقليد: (بَلْ قَالُوا إنَّا وجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وإنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ)، وتارة يبين أن أصحاب العقول هم المهتدون: (إنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ).
وفوق ذلك فقد تكررت في القرآن عبارة (أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) ثلاث عشرة مرة!
غير أنَّ هذه النعمة التي مُنحها البشرُ لم يمنحوها على السواءِ، بل هم متفاوتون فيها تفاوتًا كبيرًا جدًّا.
وقد بعثَ إليَّ معالي الدكتور عبدالله العثمان مدير جامعة الملك سعود السابق مقطعًا لطيفًا من محاضرةٍ له بعنوان: (إدارة التغيير)، وكان يتحدثُ في هذا المقطع عن أقسامِ العقول.
ذكر معاليه أنَّ العقول على ثلاثة أقسام:
عقولٌ عظيمةٌ وهي التي تناقشُ الأفكار.
وعقولٌ متوسطةٌ وهي التي تناقش الأحداث.
وعقول صغيرةٌ وهي التي تناقش الأشخاص.
وعلى الإنسان أن يحرص أولاً على أن يسلك مسالك ذوي العقول العظيمةِ، وينأى بنفسه عن العقول الصغيرةِ.
وعليه كذلك أن يحترم أصحاب العقول العظيمة، فلا يضيق بنقدهم ونقاشهم، وفي المقابل عليه ألاَّ يشغل نفسه بأصحاب العقول الصغيرةِ؛ لأنَّهم دائمًا يقتاتون على نجاح الناجحين.
وهذه الإشارات من الدكتور العثمان ثمينةٌ جداً.. لأنّ بعض الناس اليوم على طرفينِ كلاهما مخطئ:
فمنهم من لا يقبل نقدًا، ولا نقاشًا، ولا مراجعةً، ويعتبرُ كل شيء من هذا القبيل عدوانًا، ولو كان يأتيه من عقلٍ متوقدٍ مشغول بالأفكار والمبادئ والقيم، وفرق ما بين الصواب والخطأ.
ومنهم في المقابل من يشغل نفسه بكلِّ نقد، ويهتمُّ لكلِّ كلمةٍ، ويشغل نفسه بكل صوتٍ، ولو كان من عقلٍ صغيرٍ؛ لا همَّ له سوى تتبعِ الأشخاص والتشغيب على أعمالهم وإنجازاتهم.
والصحيحُ أن يكونَ الإنسانُ صاحبَ عقلٍ عظيمٍ، ويحترمَ كذلك ما تقوله العقولُ العظيمةُ.